بألقاب "عميد الدبلوماسية" و"حكيم عرب" و"أمير الإنسانية"، كان لأمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي توفي يوم الثلاثاء عن عمر 91 عاماً، سجل عربي ممتد، ومسيرة سياسية حافلة بالأحداث التاريخية والوساطات في أخطر أزمات بلاده والمنطقة، إذ عرف خلال عقود مسيرته بكونه وسيطاً موثوقاً به من قبل الدول الإقليمية والمجتمع الدولي.
وقبل تسلمه مقاليد الحكم رسمياً في يناير (كانون الثاني) عام 2006، قضي الشيخ صباح عقوداً في أروقة الدبلوماسية والسياسة خلال عهدي أخيه غير الشقيق جابر الصباح وابن عمه سعد الصباح، وتولى عدداً من المناصب، أبرزها وزير الخارجية والإعلام، ونائب رئيس مجلس الوزراء، ليعين رئيساً لمجلس الوزراء العام 2003.
الشيخ صباح في سطور
ولد الأمير الراحل في الـ 16 من يونيو (حزيران) 1929، وهو نجل حفيد الشيخ مبارك الصباح، مؤسس الكويت الحديثة، تولى أول منصب حكومي له عام 1962، حين كان عمره 33 عاماً، قبل أن يصبح وزيراً للخارجية في العام الذي يليه، في منصب حمله لأربعة عقود، ليخرج منه لبضعة أشهر ثم يعود للمنصب ذاته.
ففي أبريل (نيسان) 1990 جرى تأليف حكومة جديدة لم يكن عضواً فيها، بعدما شعر بعض الكويتيين أن دوره خلال غزو العراق كان يمكن أن يكون أكثر قوة، لكنه عاد للحكومة اللاحقة التي ولدت في أكتوبر (تشرين الأول) 1992. ولم يحد هذا الأمر من طموحات الوزير الذي أصبح رئيساً للوزراء في 2003، ما قرّبه خطوة إضافية من سدة الحكم.
الشيخ صباح هو الأمير الـ 15 للكويت التي تحكمها أسرته منذ 250 سنة، وساعد بلاده في تخطي تبعات غزو العراق، وانهيار الأسواق العالمية، والأزمات المتلاحقة داخل مجلس الأمة الكويتي والحكومة وبين أبناء بلاده. فخلال سنوات حكمه الأولى عاشت الكويت استقرار مالياً كبيراً مع تجاوز ثروة الصندوق السيادي 600 مليار دولار، للمرة الأولى بفضل أسعار النفط، لكن انهيار الأسعار في 2014 سبّب عجزاً في الموازنات الكويتية، ما دفع الحكومة إلى رفع أسعار الوقود وكلفة الخدمات.
وفي سبتمبر (أيلول) 2019، أجرى الأمير الراحل فحوصاً طبية في الولايات المتحدة ما تسبب بإلغاء لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وللشيخ صباح، الذي كان يهوى الصيد وتمضية الإجازات في منغوليا، ثلاثة أبناء، اثنان منهما على قيد الحياة، أحدهما رجل أعمال والآخر وزير دفاع سابق.
عقود من الوساطات والدبلوماسية النشطة
ينظر إلى الأمير الراحل على أنه مهندس السياسة الخارجية الحديثة لدولة الكويت، كما امتازت مسيرته بجهود متواصلة في حل الأزمات التي سبق أن عصفت بمنطقة الخليج، استحق بفضلها أن يلقب بـ "عميد الدبلوماسية العالمية وحكيم العرب"، كما أبرز دور الكويت في العمل الخيري الإنساني في عهده، لتلقبه الأمم المتحدة بـ "أمير الإنسانية وقائد العمل الإنساني"، حيث جعل الكويت في عهده "مركزاً للعمل الإنساني"، واستضاف أكثر من مؤتمر دولي للمانحين لدعم الأوضاع في بلدان الأقليم المتأزمة.
وخلال عمله على رأس وزارة الخارجية لأربعة عقود، نسج علاقات وطيدة مع الغرب، خصوصاً مع الولايات المتحدة التي قادت الحملة العسكرية لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991، وكان من جانبه يقود الحملة الدبلوماسية لبلاده لإخراج العراق منها.
وبرز في وقت لاحق كوسيط بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، كما لعب دوراً في الوساطة عام 2014 لحل الخلافات بين الدول الخليجية، ونجح في إنهاء أزمة سحب كل من السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة في ذلك الحين. ومنذ إعلان دول الرباعي العربي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) قطع علاقاتها مع قطر في يونيو (حزيران) 2017، أجرى الأمير الكويتي سلسلة لقاءات واتصالات مكوكية بين دول الرباعي العربي وقطر من أجل رأب الصدع.
وبالرغم من تقدمه في السن، ظل الأمير منخرطاً إلى حد كبير في الأعمال اليومية والسياسة الإقليمية والدولية، وحضر في نهاية مايو (أيار) 2019 ثلاث قمم خليجية وعربية إسلامية في مكة، استمرت أعمال كل منها حتى ساعات الصباح. ودعا خلال هذه القمم إلى نزع فتيل الأزمات الإقليمية، وخفض التصعيد في الخليج، بينما كانت التوترات تزداد بين إيران والولايات المتحدة وتوحي بحرب قريبة، داعياً إلى أن "نعمل بكل ما نملك ونسعى إلى احتواء ذلك التصعيد".
وخلال الأشهر الأخيرة من حياته، قاد الأمير جهود بلاده لمواجهة فيروس كورونا المستجد، وكانت الكويت من أولى دول الخليج التي اتخذت إجراءات غلق صارمة لمنع انتشار الوباء الذي أصاب أكثر من 100 ألف من سكان البلاد، وتسبب في 600 وفاة.
كما اتبع الشيخ صباح سياسة مستقلة، ما ساعد في تحصين سمعته الإقليمية وصقلها، بالرغم من الأزمات في بلاده.
وقد يهمك أيضا
تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد
بيان رسمي من الكويت بعد أنباء عن وفاة أمير البلاد
أرسل تعليقك